مؤلف كتاب «أخلاق الوزيرين» أو«أخلاق الصاحب وابن العميد» هو العلامة الفيلسوف «أبو حيّان التوحيدي - علي بن محمد العباس التوحيدي» الذي يعتبر من أعظم كتّاب النثر العربي، وما زالت كتبه تعيش بيننا، تثير الأسئلة. ورغم أنه أحرق كتبه التي كانت بحوزته، احتجاجاً على الزمان وأهله وأحواله، إلاّ أن ما بقي والتي عدها «ياقوت الحموي» سبعة عشر كتاباً، كان قد انتشر في أرجاء البلاد العربية.
ولد أبو حيّان التوحيدي في بغداد سنة 310 هجرية، من أبوين فقيرين، إذ كان أبوه يبيع نوعاً من التمر يقال له «التوحيد» وجرياً على عادة الانتساب للمهن، فقد انتسب «أبو حيّان» وأبوه من قبله لتلك المهنة، ومن يطّلع على أراء التوحيدي الأدبية والفلسفية، وبخاصةً الصوفية، سيدرك إلى مدى كان هذا المبدع علامة عصره، فقد كان شيخاً في الصوفية،
كما كان أستاذاً في علم الكلام والنحو، إضافة إلى أنه إمام في الفقه، وفيلسوف له آراؤه واجتهاداته، واستطاع أن يؤثر في معظم شخصيات عصره، وقد خاض غمار الحياة، واطّلع على أسرارها فكان فيما كتبه صدى أمينا لأحداث عصره وتياراته الفكرية والأدبية والاجتماعية، وظل علماً إلى أن توفي سنة 414 هجرية في مدينة «شيراز» ودفن فيها.
وقد لقي «أبو حيّان» في حياته الأهوال، فقد عرف الشقاء الذي لا يستحقه، بينما وجد التافهين يرتفعون إلى أعلى المراتب وهو القائل: «ما ظننت أن الدنيا ونكدها تبلغ من إنسان ما بلغ مني، إن قصدت دجلة لأغسل منها نضب ماؤها، وإن خرجت إلى القفار لأتيمم بالصعيد، عاد صلداً أملسا».
ومع ذلك كان ذا أنفة نفس واعتداد بالكرامة، فلم يشأ أن يترامى على أعتاب الرؤساء، وظل غريباً في وطنه. أما كتاب «أخلاق الوزيرين» فقد اختار «أبو حيان» كلمة أخلاق للتعبير عن موضوع هذا الكتاب،
فلم يقتصر في أحاديثه عن الوزيرين، وهذه عبارته: «على ما كان طالباً لمقتهما وداعياً إلى الزراية عليهما، وباعثاً على سوء القول والاعتقاد فيهما» بل أضاف إلى هذه الأحاديث «ما شاع من فضائل لم يثلثهما فيها أحد في زمانهما، ولا كثير ممن تقدمهما».
ومن هنا جاء حديثه عن الكرم واللؤم في أخلاقهما، والنقص والزيادة، والورع والانسلاخ، والرزانة والسخف، والشجاعة والجبن، والوفاء والغدر، والسياسة والإهمال والدهاء والغفلة، والرشاد والغي، والخطأ والصواب، والخلاعة والتماسك.
وسواءً وفّي «أبو حيّان» بخطته هذه أولم يفعل، فإنه يريد في إصرار أن يظهر بمظهر الوفي لها، وأن عمله في هذا الكتاب سار على هذا النهج. ولم يخف «أبو حيّان» الأسباب التي دفعت به في غير شفقة إلى تأليف كتابه هذا، فقد فارق أعزته ببغداد، وهجر أهله وإخوانه بها، وقصد «الصاحب» بالري، آملاً أن ينال ببابه ما كان طمعه يدندن حوله، ونفسه تحلم به، وأمله يطمئن إليه فخيّب الصاحب أمله، وأساء معاملته، فتجرد أبو حيّان للانتقام.
ولقد أجاد في تصوير المأساة وحدتها بقوله: «ابتليت به وابتلي بي، رماني عن قوسه مغرقاّ، فأفرغت ما كان عندي على رأسه مغيظاً، وحرمني فازدريته وحقّرني فأخزيته، وخصني بالخيبة التي نالت مني، فخصصته بالغيبة التي أحرقته، والبادي أظلم، وإن لم يرني أهلاً لنائله وبره، إني لا أراه أهلاً لقول الحق فيه».
أما أبو الفضل ابن العميد فإن أبا حيّان لم يحضر مجلسه إلا مرتين فشاهد فيه إحداهما أعوان أبي الفضل يخرجون من مجلسه رجلاً غريباً صائماً، في غشيةً من عشايا رمضان وقت الإفطار، وشاهد في ثانيتهما محنة شاعر من الكرخ، مدح ابن العميد فلم يجزه بشيء رغم إلحاحه ومطالبته له أمام الحضور.
ومع ذلك فقد ترك هذان الحدثان في نفسه أثاراً بلغ من بعد غورها، أن رآه أهلاً لأن يقرن في أخلاقه الصاحب وجعل يتتبع أخباره ويستقصي نقائصه، نقلاً عن جلاّسه وخواصه،إلى أن اجتمع له ما نقرؤه في هذا الكتاب.
ورأى وقد اتصل بأبي الفتح ابن العميد، وأعجب به أن يذكره في كتابه هذا، بعد أن خاض في حديث أبيه أبي الفضل فأثنى عليه وأفاض ثم عاد ونقده. وهكذا شمل الحديث في كتاب أخلاق الوزيرين ثلاثة من الوزراء.